تحقيق سري يكشف دور 3 عملاء سريين ألمان في إسقاط النظام العراقي

تحقيق سري يكشف دور 3 عملاء سريين ألمان في إسقاط النظام العراقي
غزة-دنيا الوطن

تعيش ألمانيا هذه الأيام على أصداء تحقيقات يجريها البرلمان حول احتمال تورط الحكومة السابقة برئاسة المستشار غيرهارد شرودر في تقديم معلومات استخباراتية للقوات الأمريكية قبل غزوها للعراق.

وفي جديد هذا الملف كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن تقرير سري أعده البرلمان الألماني يكشف دور 3 عملاء سريين ألمان من جهاز الاستخبارات في تقديم معلومات حاسمة للقوات الأمريكية من بينها الكشف عن خطة صدام العسكرية للدفاع عن بغداد ما دفع القوات الأمريكية إلى إقامة حفل تكريم رفيع المستوى لهم.

وبدأت عملية فضح أسرار نشاط العملاء الثلاثة عندما استطاع أحد الصحافيين الألمان الحصول على تقرير سري للبرلمان ومرره لمراسل صحيفة "نيويورك تايمز"، التي نشرت أهم تفاصيل هذا التقرير في عددها ليوم الخميس 2-3-2006م.

قصة 3 عملاء سريين

يروي التقرير حكاية 3 ضباط من الاستخبارات الألمانية سافر اثنان منهم إلى العراق قبل الغزو بسنوات، فيما توجه الثالث إلى مقر القيادة المركزية للقوات الأمريكية في قطر وانضم مباشرة إلى مكتب قائد القوات الجنرال تومي فرانكس.

وخلال تلك الفترة، قام ضابط الاستخبارات الألماني، الذي كان في مكتب الجنرال تومي فرانكس، بتمرير معلومات للولايات المتحدة جمعت من قبل ضابطين آخرين كانا في العراق، كما استطاع هذا الضابط كتابة 25 تقريرا للأمريكيين أجاب لهم فيه على 18 تساؤلا من أصل 33 خلال الأشهر الأولى للغزو الأمريكي ضمن تبادل منظم للمعلومات بين جهازي الاستخبارات الأمريكي والألماني.

وجاءت الموافقة على قرار وضع هذا الضابط في مكتب تومي فرانكس من قبل أعلى المستويات في ألمانيا بمن فيها فرانك شتينمير الذي عمل مع رئيس الحكومة غيرهارد شرودر ويشغل حاليا منصب وزير الخارجية الألماني، كما وافق على ذلك أيضا وزير الخارجية السابق يوشكا فيشر.

وكانت الحكومة الألمانية السابقة من أشد المنتقدين للحرب الأمريكية في العراق، ولكن أثيرت معلومات صحفية في الشهور الماضية عن تورط ألماني في هذه الحرب وهذا ما أدى إلى فتح هذا الملف برلمانيا.

ومؤخرا نشر تقرير برلماني حول هذه القضية إلا أن الكثير من الأسرار والمعلومات غابت عن النسخة المنشورة بما في ذلك قصة ضابط الارتباط الذي كان في مكتب فرانكس، كما لاحظ مراسل "نيويورك تايمز" الذي أشار إلى أن النسخة التي حصل عليها من التقرير السري الجديد عليها خاتم البرلمان الألماني.

أوسمة أمريكية للعملاء الثلاثة

وتقديرا لجهودهم في تمرير المعلومات للقوات الأمريكية، منحت الولايات المتحدة ضباط الاستخبارات الثلاثة "وسام التقدير الأمريكي" معتبرة أنهم قدموا "معلومات حاسمة لقائد القوات الأمريكية في دعم العمليات القتالية في العراق".

وقال توماس شتيغ، مساعد الناطق باسم الحكومة الألمانية للصحيفة الأمريكية "لا أعلم إن كانت هناك هذه النسخة التي تتحدثون عنها ولكن أعلم أن هناك نسخة عامة و لايمكن أن أعلّق".

وقدّم ضباط الاستخبارات الألمانية أيضا تقارير عن المواقع التي يجب تجنبها أثناء الضربات الجوية بالقنابل والسفارات والمكان الذي قد يكون فيه الطيار الأمريكي المفقود محتجزا، كما قدموا في 8 تقارير أخرى معلومات عن الوحدات العسكرية العراقية في بغداد وإحداثيات جغرافية لبعض الوحدات أيضا.

تسريب خطة صدام

وحسب الصحيفة الأمريكية فقد كان من أهم ما تضمنته المعلومات التي قدمها ضباط الاستخبارات الثلاثة تلك الخطة العسكرية التي وضعها صدام للدفاع عن بغداد، ولكن الحكومة الألمانية والاستخبارت الألمانية الخارجية أصرتا على نفي تلك المعلومة على وجه الخصوص، وقال ستيفن بورخرت، من وكالة الاستخبارات الألمانية، إنهم "لم يعلموا بالخطة الدفاعية لصدام أصلا".

وتضمن التقرير أيضا الشروط التي التزم بها ضباط الاستخبارات الألمان أثناء تبادل المعلومات مع الولايات المتحدة. ومنها: ألا يقدموا أي دعم للهجوم الجوي الأمريكي وألا تقدم معلومات ذات صلة مباشرة للحرب التكتيكية على الأرض لصالح الولايات المتحدة.

ويقول تقرير اللجنة البرلمانية إنه تم تقديم 25 تقريرا للجنرال فرانكس: 8 منها وصفت أحوال الناس في بغداد والاحتياط من المؤونة لدى عامة الناس، و8 أخرى وصفت طبيعة الحضور العسكري هناك. وتقريران عن إحداثيات مواقع القوى العسكرية، وقدموا إحداثيات لكل منطقة تم ضربها وكان يفترض أن صدام حسين موجود فيها.

تناقض تعيشه ألمانيا

ويتحدث الصحافي أنيس أبو العلا، مراسل العربية في برلين الخبير في الشؤون الألمانية، عن حالة من التناقض تشغل الرأي العام في ألمانيا وتتلخص في أن الحكومة الألمانية كانت من أكثر المنتقدين للحرب والآن تظهر وثائق تتحدث عن ضابط استخبارات ألماني كان موجودا في في القيادة الأمريكية مع تومي فرانكس وسلمهم معلومات في غاية الأهمية.

ويرى أبو العلا، في حديثه لـ"العربية.نت"، أن هذا "موضوع خطير بالنسبة للألمان لأنه يمس السياسة الداخلية وكذلك التناقض بين الموقف الرسمي المعلن وما تم الكشف عنه إذا ثبتت صحة التقرير البرلماني".

ويشير أبو العلا إلى أن رئيس المجموعة البرلمانية للاتحاد المسيحي الحاكم قال إنهم ليسوا متأكدين أن هذه المعلومات صحيحة مشددا على أنه يجب أن تتلقى وسائل الإعلام هنا هذه المعلومات بدون تشنج.

الاستخبارات الألمانية

ويقول أبو العلا إن العملاء السريين الثلاثة كانوا تابعين في عملهم لمكتب المخابرات الرسمي الذي يعود لوزارة الداخلية، مشيرا إلى وجود أجهزة استخبارات أخرى في ألمانيا مثل الاستخبارات العسكرية وأجهزة الاستخبارات المدنية. ويضيف أن نشاطات هذا المكتب التابع لوزارة الداخلية، تخضع لقرارات منسق شؤون الاستخبارات في مكتب المستشار الألماني وكان يشغل هذا المنصب آنذاك فرانك شتينمير وزير الخارجية الحالي، ولم يكن ممكنا أن تتم أي حركة داخل هذا الجهاز في الخارج دون معرفته.

ويتحدث أبو العلا عن نظريتين قائمتين الآن حول هذه القضية: الأولى تقول إن المعلومات المتوفرة من وسائل الاعلام تشير إلى أن غيرهارد شرودر شخصيا ووزير الخارجية فيشر فرانك شتينمير لهم يد فيما جرى، وأخرى هي أن تكون الولايات المتحدة تمكنت بوسائلها التكنولوجية الخاصة من التنصت على وسائل اتصال هذين العميلين الألمانيين في العراق.

ويشير أبو العلا إلى أنه لا يتم عادة الكشف عن أسماء عملاء أجهزة الاستخبارات في الخارج وإنما تكشف أسماء شخصيات تتحمل المسؤولية السياسية.

التعليقات